كَـــيـف نُقـــــــــــدِّم المُـــــــــــريـــــــديَّـــــة للــمُــثـــقّــــــــفـين؟ |
بقلم الباحث:مجَامَاانيانغ |
كيف نقدم المريدية للمثقفين؟
ها نحن في صدد تناول هذا الموضوع الثري البالغ الأهمية الذي جاء في وقته لكثرة البدع والخرافات والشوائب والخزعبلات التي أدخلت في المريدية وهي بريئة منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ونذكر منها على سبيل المثال ادعاء بعض التيارات التي تفسد في الأرض ولا تصلحها إلا قليلا انتماءهم إلى المريدية.
وسنتناول هذا الموضوع بناء على هذه المباحث التالية:
1- لمحة تاريخية عن مصطلح المريد، وكيف تم توظيفه واستثماره أيدلوجيا؟
2- المبادئ أو الأركان التي تنبني عليها المريدية.
3- النتائج التي توصلتُ إليها في هذا البحث.
لمحة تاريخية عن مصطلح المريد:
وقبل أن نتطرق إلى هذا المبجث نريد لفت نظر القارئ بأن كلمة المريدية غير موجودة في كتابات الشيخ لكن قد وضعت بعده إما من فبل الإستعمار الحاقد أو من قبل أعدائه الذين كانوا يريدون القضاء على دعوته الإصلاحية التجديدية.
أو كما رأى الشيخ محمد البشير في كتاب:منن الباقي القديم،إذ يقول:(لما رأوا صدق الإرادة يغلب على أتباع الشيخ الخديم أطلقوا عليهم اسما مشتقا من الإرادة،فصاروا يسمون بالمريدين وطريقتهم بالمريدية) ونريد هنا جذب انتباه الإخوة القارئين بأن المصطلح الذي ورد في كتابات الشيخ هو المريد، ولتأييد هذه الفكرة نورد هنا مقتطفات مأخوذة من كتاب صاحبنا الأستاذ/ أحمد غالاي انجاي [الجدل العقيم بين الأنا والآخر في قراءة التراث الخديمي إشكاليات وآليات القراءة] ينص الأستاذ المذكور (أن مصطلح المريد كما هو معلوم في تاريخ الفكر الصوفي نشأ في (بغداد عاصمة العراق) ويعني صدق توجه الإرادة نحو السير إلى الله تعالى، وقد استنبطه الصوفية الأوائل من آيات قرآنية كريمة؛ منها:
1- قوله تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا".
2- قوله تعالى: " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا".
3- قوله تعالى: " مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ".
4- قوله تعالى: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا".
وهو مصطلح يعبر عن أول مقام المتصوف، وبدء طريق القاصدين، كما أنه كلمة جامعة لكل مبتدئ يسلك طريق القوم؛ ولذلك نجد الأقطاب الصوفية بالإجماع يسمون تلاميذهم بـ(المريد) رغم تعدد معانيه؛ فإنه يعبر باتفاقية عن مقام المبتدئ السائر في طريق القوم، وهذا يعني أنه كما أسلفنا اسم عام يضم بين جنباته كل سائر في هذا الطريق، وهذا بصرف النظر عن انتمائه المدرسي الخاص. هذا ما يتعلق بالجانب المعرفي الصوفي.
أما كيف تم توظيفه واستثماره أيدلوجيا فذلك ما قام به الشيخ أحمد بامبا. كان فضل الورد الذي يتلقنه المريد من شيخه وثمرات استخدامه له يشكلان عامل تفوق اجتماعي وفخر روحي بين المريدين رغم تباين انتمائهم الطرقية . هذا التصرف اللاصوفي المضاد للآداب والقيم السامية لدى السادة الصوفية كان ملحوظا حتى لدى بعض الفئات المثقفة داخل بلادنا: التيجاني يفتخر بتيجانيته إيمانا وإيقانا منه بأن أوراد طريقته أفضل بكثير من أوراد الطرق الأخرى، وأن شيخه حاز مقاما دونه كل مقام، وقل مثل ذلك عن المريدي والقادري، وكذلك الشاذلي وهلم جرا.
في هذا المنعطف التاريخي المؤسف الذي عرفه السنغال حيث كادت هذه النعرات الحزبية والمشاحنات بين المريدين وأحيانا بين مسؤولي الطوائف المختلفة تؤدي إلى تفكك الوحدة الوطنية في مرحلة تاريخية كان الوطن في أمس الحاجة إلى وحدته وتشابك فصائله بمختلف توجهاتها وانتماءاتها الصوفية والسياسية، لتفادي تداعيات هذه المحنة التي أضرت بالعالم الإسلامي كثيرا، وما زال فروسها يخيم في أجوائه إلى يومنا هذا. والصراع الدامي اليوم في بعض أصقاع العالم الإسلامي بين سنة وشيعة لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن هذا المنطلق كان اختيار أحمد بمب لكلمة المريد مجردة بدلا من "البكي" أو "البمبي" على غرار القادري، أو التيجاني، لكن لا يزيد في المحرقة بنزينا، ولكي لا يشعر أتباعه بأي فارق انتمائي يميزهم عن غيرهم. وكذلك في نفس الوقت يجد التيجاني القادري، الشاذلي..إلخ مكانهم فيه، فإذن اختيار مصطلح "المريد" كان بحق استراتيجية صوفية حاول الشيخ من خلالها معالجة واقع سيئ كان قد شمل الأمة السنغالية وكادت بسببه أن تتفكك وتتشتت. هكذا دعا الشيخ الطوائف الصوفية المتواجدة آنذاك إلى كلمة سواء بينهم تمثل القاسم المشترك بين هذه الطرق بمختلف انتماءاتها. وأضف إلى ذلك أن الشيخ لم يفرض ورد دعوته الجامعة على من يرغب في الدخول فيها).
والشواهد التي تعضد ما ذهب إليه أحمد غالاي انجاي هي هذه الأبيات التي أنشدها الشيخ قائلا:
فكل ورد يورد المريدا
سواء انتمى إلى الجيلاني
أو لسواهما من الأقطاب
إذ المريد لا يريد أبدا
وصف المريد تركه الإراده |
| لحضرة الله ولن يحيدا
أو انتمى لأحمد التيجاني
إذ كلهم قطعا على الصواب
غير رضى الرحمان حيث قصدا
لوجه من يفعل ما أراده |
وعيالا على هذه التحليلات وهذه الأبيات؛ يتبين لنا أن الذي ورد في كتابات الشيخ هو (مصطلح المريد) وليس المريدية، وأن الشيخ ما كان يقصد إقامة طريقة، بل كان يريد ويهدف إلى توحيد صف المسلمين علاوة صف الذين ينتمون إلى الطبقة الصوفية.
هذا ما يتعلق بالمبحث الأول الذي تناول [ لمحة تا ر يخية عن مصطلح ا لمر يد]:
لا شك أننا عرفنا معرفة تامة أن المريدية مصطلح لم يتبنه الشيخ لكن نتماشى معه؛ لأنه هو التسمية السائدة بهدف توصيل الملاحظة.
نحن نعرف بأن وسيلتنا ومؤسس الطريقة لم يكن يراها بضاعة تتم الدعاية لها وترويجها، ولكنها مبادئ وسلوكيات ربى عليها الشيخ أتباعه، وكانت خير تربية جلبت، وما زالت تجلب ملايين من البشر حين أصبحت الطريقة عالمية، وأصبح الأتباع من كل الجنسيات، ونرى لزاما أن تستمر الشعلة في إنارة الطريق لمن يريدون السير فيها. ولنضمن هذه الاستمرارية تستلزم علينا إعادة النظر في كيفية تقديم الطريقة للمثقفين.
في الصراحة مما لا يجهله أحد أن بعضا من الأجانب يدخلون في الطريقة، ولكنهم لا يفهمون منها سوى الاسم، وحتى البعض منهم قد يرونها حركة تحرير السود، وهؤلاء يجهلون تماما مبادئ مؤسس الطريقة، ومرجعها الأول والوحيد والسبب الرئيس في ذلك هو سوء التقديم؛ لذلك ندلي بدلونا في هذا المضمار لإعطاء بعض الملاحظات. فالمريدية –كما نرى- طريقة تربوية إصلاحية تجديدية تهدف إلى خلق إنسان نموذجي مثالي من حيث المسلك والجدية ومن حيث الخلق والقيم السامية، وبناء على هذا نأتي إلى المبادئ التي تبنى عليها المريدية مع التوسيع في كل منها ليعرف الذي يريد أن يعرف ويتضح في سمعه بأن الشيخ كان مهتما بهذه الأمور إلى الغاية:
ـ العلم والعمل به.
- العبادة.
- المبايعة.
- كسب الحلال.
العلم: وتندرج تحته هذه العناصر الآتية:
1- دعوة الشيخ إليه.
2- أهداف طالب العلم الشرعي.
3- الشروط التي تجب على طالب العلم الشرعي مراعاتها.
4- الآداب التي توصله إلى الأهداف.
5- الحث على الصبر على المعاناة لدى التعلم.
إن العنصر الوحيد الذي يفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل. فالإنسان لا يستطيع أن يستعمل عقله حقيقة الاستعمال إلا إذا علم ، وأضف إلى هذا أنه لا تتقدم دولة ولا أمة إلا عن طريق العلم والتعلم،لقد صدق من قال:
فالجهل يخفض أمة ويذلها والعلم يرفعها أجل مقام.
وقد أولى القرآن الكريم أهمية كبيرة للعلم حيث أمر الرب سبحانه وتعالى- نبيه محمدا-صلى الله عليه وسلم- بأن يستزيد منه علمافقال: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" وكان الشيخ يعيش في مجتمع انتشر فيه الجهل والبدع والخرافات وميل العلماء للسلاطين الأدنيْن،وكان الناس يعيشون تحت سيطرة القوتين الاضطهاديتين (الاستعمار والأستقراطية "التيدو")، وكانت للشيخ نية تجديد السنة النبوية الغراء:
للمصطفى نويت ما يجدد |
| سنته الغرا وإني أحمد |
ولا يخفى أن هذا التجديد يحتاج إلى وسائل كافية ؛ منها: الإلمام بحقائق المجتمع ومعرفة حالات الناس وميولاتهم،ومنها أهمها العلم. ولهذا كان الشيخ يعتبر العلم ضروريا لبناء مجتمع مثالي ولمحاربة الجهل والبدع ومجاهدة الأعداء الذين كانوا يريدون تغيير نمط حياتهم (الاستعمار) الديني والعرفي:
ومقالكم إني أجاهد صادق
إني أجاهد بالعلوم وبالتقى |
| إني لوجه الله جل أجاهد
عبدا خديما والمهيمن شاهد |
ودعا الشيخ الصبيان والشبان الذين لا يصلح مجتمع، ولا تتقدم دولة إلا بواسطتهم إلى الإشتغال بالعلم والعمل به حيث قال:
يا أيها الصبيان لا تشتغلوا
فاشتغلوا بالحفظ والتلاوه
ولازموا من لا يزال عابدا |
| عن الهدى وبالعلوم اشتغلوا
واجتنبوا مجالس الشقاوه
لربه إلى هداه قائدا |
يا أيها الشبان إن خفتم خجل
فقدموا العقائد السنيه
فسارعوا للعلم مذعنينا
ومن نهاكمُ عن التعلم
إذ كل من في ذا الزمان منعا
لبدعة شنيعة إذ العمل
فالعلم والعمل جوهران
وأشرف الأصلين علم قدما
إذ كل عامل بلا علم يرى
ومن حوى علما وليس يعمل
|
| فقدموا تعلما على عمل
دون الجدال والفرى والمريه
ناوين وجه الله أجمعينا
فهو خليفة اللعين المجرم
من التعلم فإنه دعا
إن لم يكن بالعلم شابه خلل
لخيري الدارين يجلبان
كما به أتى حديث من سما
فسعيه مثل هباء نثرا
به فإنه حمار يحمل |
وصايا الشيخ لطالب العلم الشرعي:
إذا صح أن الإنسان ليس معصوما يصيب ويخطئ؛ ولذلك يحتاج إلى نصائح وتوجيهات وإرشادات لإنارة طريق سيره نحو هدفه إذا كان كذلك فقد أعطى الشيخ لطالب العلم الشرعي وصايا مهمة إذا عمل بها سينتج منفعة لنفسه ولمجتمعه، وهي:
يا أيها الغادي إلى التعلم
لوجه ربك اقصد التعلما
لا تطلبن مجرد الروايه
لا تقصد استمالة الوجوه
بل اقصد الخروج من ضلال
فالعلم لا بكثرة الروايه
إن الذي لم يخش رب العالمين |
| هاك وصيتي وراع كلمي
تكن سرور الأوليا والعلما
بل ضم علمها إلى الدرايه
لك لدى بدئك ذا توجيه
وعصمة من ضرر الإضلال
بل إنه نور مع الدرايه
ليس بعالم ولو أفنى الفنون |
أهداف طالب العلم الشرعي:
وإذا كانت لكل علم أهداف فقد حدد الشيخ لطالب العلم الشرعي أهداف العلم الشرعي حيث قال:
فلتقصدوا أربعة عندا ابتدا
أولها: الخروج من ضلال
ثالثها: الإحياء للعلوم |
| تعلم لكي تفوزا بالهدى
والثان: نفع خلق ذي الجلال
رابعها: العمل بالمعلوم |
الشروط التي يجب على طالب العلم مراعاتها:
فلما كان إدراك غاية شيء منوطا بشروطها أرشد الشيخ إلى شروط تعلم العلم الشرعي التي تجب على طالب العلم الشرعي مراعاتها، يقول الشيخ-رحمه الله، ورضي عنه-:
ومن شروط طلب العم تعد
أولها: الصبر على الجوع الوسط
إطالة الجلوس في التعلم
ثالثها: حرص على طلبه
رابعها: حلم كمثل الهر
عن النساء الصارفات الهمم
سادسها: صبر على ذل أبد |
| ستة أشياء تؤدي للرشد
كأسد، والثان: جُنِّبتم غلط
كالنسر بابتغا رضى المعلم
كمثل حرص الكلب في مطلبه
خامسها: إدامة للصبر
كصبر خنزير بلا تهمم
صبر حمار، فاطلبوا بذي الرشد |
الآداب التي توصل طالب العلم الشرعي إلى أهدافه:
بعد أن علمنا الشيخ أهداف العلم الشرعي وشروطه أصبح من المطلوب معرفة الآداب التي تجب مراعاتها للوصول إلى الغايات؛لذلك لم يقف الشيخ عند هذا الحد بل حرر قلمه إلى أن قال:
وعد من آداب ذي التعلم
وعد منها كونه مجتهدا
ولا يكن مؤخر الصلاة
وكونه أيضا سخيا أبدا
وكل من بعلمه قد بخلا
وعد منها كونه موقرا
فليس ينبغي له وضع كتاب
وحيثما أتى من الخلاء
ثم أراد المس للكتاب
أو يتوضأ ثم يأخذ الكتاب
وعد منها كونه محترما
إذ قيل إن نفع من تعلما
وإن تكن للعلم ذا تعلم
وكن لدى شيخك كالمملوك
واعلم بأن النفع لا ينال
بقدر إجلالك شيخك تفوز
فكل من لم يرض شيخه فلا
بل رب شخص بالعلوم يعلن قال أحد الشعراء: أرى أوجب الأشياء حق معلم
فقد حق أن تهدى إليه كرامة
أقدم أستاذي على حق والدي
فهذا مربي الروح والروح جوهر |
| فراره من ضر كل مسلم
في فرضه وما حوى تأكدا
بغير ما عذر عن الأوقات
بعلمه من التأدب بدا
فإنه قبل الممات يبتلى
للعلم بالتعظيم للذي قرا
أو لوح او ورقة على التراب
بعد قضائه مع استنجاء
فليغسل اليدين باستحباب
مبجلا محترما يحو الثواب
لشيخه وخادما معظما
نيط بإجلال الشيوخ العلما
فابتغ لله رضى المعلم
تبلغ به درجة الملوك
إلا بإجلال على ما قالوا
بما تريد وبه اليمن يحوز
ينال في تلميذه ما أملا
ولا ينال من إليه يركن
وآكده حقا على كل مسلم
بتعليم حرف واحد ألف درهم
وإن كان لي في الوالد البر واللطف
وهذا مربي الجسم وهو له صَدَفْ |
الحث على الصبر على المعاناة لدى التعلم:
إذا كان الصبر مطلوبا في كل شيء ففي العلم أولى وأجدر. يقول عز وجل: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" ولهذا نجد الشيخ يوصي الطالب العلم الشرعي بهذه الوصية الثرية:
كن كاتما للضر والبؤسى تنل
لا تكثر الشكوى فكن متجلدا
فالعلم لايعطى لمن يخشى الطوى
داوم على درس العلوم مطالعا
لا تشتغل بالرزق إذ رب الورى
واخش الإله لدينه متحافظا
ناء الكواعب والغواني واعتزل
لا تشتر الدنيا بأخرى يا فتى |
| قصدا وتعل الجيل يا متعلم
حتى تظن الناس أنك منعم
بل ربنا عبدا صبورا يلهم
يا ويح طمس للطوى يتجمجم
متكفل رزق الذي يتعلم
إذ لا ينال العلم عاص مجرم
إن تدن منها من ردى لا تسلم
من باع نورا بالدجى فسيندم |
ولما كان الناس يعتبرون الشرف والفخر والأفضلية في النسب نجد الشيخ يخالفهم؛لأنه يعتبر معيار الشرف وتفاوت الورى بالعلم والعمل به،لذلك يقول:
فاعلم بأن ما تفاوت الورى
وبهما يفضل من قد فضلا
من جهة الأنساب أم وأب وقال علي-رضي الله عنه-: الناس من جهة التمثيل أكفاء
فإن أتيت بفخر من ذوي حسب
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم |
| بالعلم والدين يكون فاصبرا
لا بانتسابه لمن قد اعتلى
ففيهما اجتهد مع التأدب
أبوهمُ آدمٌ والأم حواء
يفاخرون به فالطين والماء
على الهدى لمن استهدى أدلاء |
ومن هذا المنطلق نحاول توضيح إشكالية معقدة عند بعض المثقفين المريدين وهي :أن الشيخ كان منتهى همته التربية وحدها دون التعليم،وتوضيح ذلك كما يلي:
1- أن التعليم يدخل في التربية؛ لأن التربية تعمل على توجيه نمو الفرد العقلي والخلقي والجسمي والصحي والنفسي، فهي عملية شاملة لجميع جوانب نمو الإنسان.والتعليم يتمثل في العملية التي تهتم بالجانب العقلي فقط؛ أي: جانب المعرفة الذي يتضمن نقل المعلومات والحقائق والمفاهيم إلى الفرد.
2- أن التربية الإسلامية لم تفرق بين اللفظين، وفي القرآن نجد لفظ "علم" أكثر استعمالا من لفظ"ربى"وهو يدل على العملية التعليمية التربوية الشاملة لكل جوانب الإنسان. يقول الله تعالى: " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ".
أن التربية الحديثة اتجهت إلى وجوب اهتمام المعلم بجميع جوانب النمو لدى الإنسان، وهو الاتجاه الذي دعت إليه التربية الإسلامية، وأخذت به.
3- أن محبة الشيخ للعلم والتعليم دفعته إلى تأليف كتب في الفقه والعقيدة والتصوف والحياة الاجتماعية؛ كـ:(تزود الصغار، وتزود الشبان، ونهج قضاء الحاج، ومسالك الجنان).
4- أن الشيخ ركز جهاده ودعوته الإصلاحية التجديدية في العلم والتعلم حيث قال:
إني أجاهد بالعلوم وبالتقى
جاهدت بالأقلام والمداد |
| عبدا خديما والمهيمن شاهد
وفزت في البحور بالأمداد |
5- أن الشيخ كان يربي أصحابه بالهمة التي هي المطلوبة في كل شيء،وهي مطية النجاح،فالإنسان مهما بلغت مرتبته العلمية، ولم يتأزر بالهمة فلا يبلغ غاية مهما سهل مسلكها. يقول شيخ الإسلام بن تيمية فيما معناه: لا أنظر إلى كلام الرجال، ولكن أنظر إلى هممهم. وقد صدق هذا القول في قصيدته التي يرثي فيها صحابة الرسول البررة حيث قال:
كل له همة يرقى بها أبدا |
| إلى عزيز معز بالفتوحات |
وهذا يحولنا إلى النقطة الثانية التي تتناول مكانة العبادة في المريدية، وكونها مبدأ من مبادئها:
العبادة لغة: التذلل والخضوع.
وشرعا: كلمة جامعة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
وهي موضوع استخلاف الإنسان على الأرض وحكمة خلق الجن والإنس: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". وتدخل فيها الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: [بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان،وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا].
وقد أعطى الشيخ أهمية كبيرة لكل من هذه الأركان:
1- كلمتا الشهادتين اللتين ترمزان على وحدانية الله وأن محمدا رسول الله. يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
ولفظ لا إله إلا الله
يجمع جملة ذه المعاني
فلا تعادوا من رأيتم فاه
إذ ليس في الأذكار ما ساواه |
| محمد رسول من مولاه
لذا بدا علامة الإيمان
يخرج لا إله إلا الله
قطعا كما رواه من رواه |
2- الصلاة التي هي عماد الدين. يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
قد صح أن الصلوات الخمسا
بالذكر والسنة والإجماع
جحدا لها فهو كالمرتد |
| فريضة حكما وقيتم لبسا
فمن يكن منها على امتناع
في الحكم يستتاب جيم العد |
4- الزكاة التي تغرس روح الوحدة بين المسلمين. يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
أما الزكاة فالفرائض لها
نيتنا تمام حول وتمام
ثم لها قد ذكروا آدابا
وهي طيب النفس فيها ثم أن
ثالثها الستر عن العيون
ثم زكاة الفطر صاع قد تجب
من مسلم بجل عيش الدهر |
| تعد أربعا خذوها كلها
نصابها عدم نقل ذا تمام
ثلاثة تحصل الثوابا
تكون من وسط مال حيث عنّْ
خوف الريا المفضي لعيب الدين
عنكم وعمن قوته قد طلب
ولتعط حرا مسلما ذا فقر |
5- الصوم الذي كتبه الله علينا لنحصل به على التقوى. يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
أما الصيام فهو من أفضل ما
لأن في الجنة بابا لا يغب |
| طلبتَ مرضاة به ونعما
فيه سوى أهل الصيام فاحتسب |
6- الحج الذي هو المؤتمر الإسلامي الأكبر. يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
فرائض الحج لديهم أربع
ثم الطواف للإفاضة اعدد
وسعينا بين الصفا والمروة
ثم الوقوف فاسمعوا بعرفه |
| فالنية الأولى على ما يشرع
ثانية لها على المعتمد
ثالثة لهن دون مرية
رابعة الأربع، روموا معرفه |
وكان الشيخ-رضي الله عنه-: يتوجع ويئن من عدم سفره إلى بيت الله الحرام لأداء ركن الحج، لكن قلبه حج حيث قال:
حجي بقلبي تقبل واكفني خطأً |
| ولتمح شيني وكمِّلني بما زانا |
وقد يتساءل القارئ إذا كان الشيخ يهتم بالحج إلى هذه الدرجة لما ذا لم يحج؟
الجواب: أن الشيخ ما كانت له حرية السفر؛ لأنه كان تحت رقابة السلطة الفرنسية الجائرة، لقد نفوه إلى [غابون] ثم إلى [موريتانيا]، وأخيرا فرضت عليه الإقامة الجبرية في [جربل 1917-1927م]إلى أن وافاه الأجل المحتوم.
ولقد استجاب الله دعاءه إذ حج عنه ابناه: محمد الفاضل، وابن خاله سرين امباكي بوصو.
ها أخي القارئ قد انتهينا من النقطة الثانية التي تناولت العبادة في المريدية وكو نها مبدأ من مبادئها، والآن ننصرف إلى النقطة الثالثة التي تتناول فلسفة المبايعة في المريدية.
إن المبايعة هي المبدأ الثالث الذي يعتبر في الواقع أهم مبادئ المريدية، وهي تقليد إسلامي أصيل مارسها الصحابة مع الرسول-صلى الله عليه وسلم- مرارا وتكرارا، ومارسها أيضا السادة الصوفية السابقون مع مريديهم، وتُعرَّف بأنها من صيغة المفاعلة التي تدل على صدور الفعل من اثنين، وفي مفهوم التصوف هو أن تبايع شيخا عالما تقيا ورعا مربيا على السمع والطاعة، ونريد بالسمع والطاعة، طاعته في الأوامر إذا وافقت أوامر الله واجتناب نواهيه إذا وافقت ما نهاه الله. وقد استنبطته الصوفية الأوائل من هذه الآيات: " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ". " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ". " فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وذلك طهو الفوز العظيم". أما وظيفتها في المريدية فذلك ما سنتكلف بتوضيحه قدر استطاعتنا.
لا يشك أحد يعرف المريدية بأن المبايعة فيها لها مكانة عالية؛ لأنها تلعب دورا كبيرا في توطيد العلاقات الروحية بين المريد وشيخه، وتوجب أيضا توحيد صف الجماعة، والذي يعضد هذا القول هو أن كل من يعرف الواقع السنغالي يعرف أن المريدين متحدون لكونهم ينقادون تحت زعامة شيخ واحد.
وقد فهم الشيخ المبايعة على أنها عبارة عن التقيد التام بمبادئ الإسلام، والتخلي عن كل ما يخالفها، واعتبرها أولى خطوة يخطوها المريد في سبيل ترقِّيه إلى الله، وحث أتباعه على التمسك بها بعد أن تمسك بها بكونه بايع حبيبه ومخدومه صلى الله عليه وسلم.يقول الشيخ-رضي الله عنه-:
بايعت خير الورى باللوح والقلم
شاهدت في خدمة الماحي معاينة
رافقت في خدمتي توفيق خالقنا |
| لوجه رب الورى ذي اللوح والقلم
تغني عن الشك في ربي وعن ظُلَم
الملهم الخير ماحي الجهل والألم |
وقال أيضا:
الحمد لله الذي صرفني
أشكره جل على الكتاب
أشكره على الفروض والسنن
أستغفر الله الذي يجري القضا
أبايع اليوم الرسول المصطفى
أعاهد الله على أخذ الكتاب
أَحَقُّ جملة الورى بخدمتي |
| بلطفه عن بدع للسنن
والسنة البيضاء والصواب
ثم على غيرهما من المنن
بإذنه مما جنيت ومضى
بخدمة وأسأل الله الوفا
بخدمة للمصطفى باب الصواب
بالنظم والنثر رسول الرحمة |
وفي الحث على المبايعة قال:
فاسلك على يدي مربٍّ ناصح
من طلب الوصول للجليل
بأن يلازم مطيعا لا يميل
يقوده بالعلم والعباده |
| يقود للإله بالنواصح
فليعتصم بسنة الرسول
في ظاهر وباطن عن السبيل
كما يربيه بترك العاده |
وفي خطر عدم البايعة يقول-رضي الله عنه-:
لأن من عدم شيخا مرشدا |
| فشيخه الشيطان حيث قصدا |
ومن خلال هذه الأبيات نفهم أن الشيخ الذي نبايعه لا بد أن يتصف بهذه الصفات الآتية:
1- أن يكون ناصحا؛ لأن الدين النصيحة.
2- أن يسير على الصراط المستقيم في ظاهر وباطن.
3- أن يكون عالما وعابدا ومربِّيًا.
4- أن يكون رشيدا ومرشدا.
فمن لم يتصف بهذه المواصفات فليس بشيخ، وإن ادعى إليه بل هو ضال ومضل:
ومن على غير الإله دلَّكا
ومن توسل بواصل وصل |
| ففر منه إنه أضلكا
ومن توسل بعكسه انفصل |
لكن قد يطرح القارئ سؤالا وجيها: إذا لم أجد من يتصف بهذه الصفات فما ذا أفعل؟ فالشيخ يجيب عن هذا السؤال:
إن لم تلاق مصلحا فلتكتف
فهو شريعة النبي المصطفى
ولا تكن مفرطا أو مفْرِطا
وأخبروا بأن الاستقامه
ولا تكن ملتفتا لكل من
فليس كل ما ترى مدورا
كلا وليس كل ماء سلسبيلْ
واختبر الرجال قبل صحبه
فربما استقبحت شأن العبد |
| بما به نص خيار السلف
صلى مسلما عليه ذو الوفا
بل استقم في سنة وأقسطا
نهاية الصلاح والكرامه
رأيته يشبه شيخا في الزمن
كعكا وليس كل ضوء قمرا
وليس شهد مثل صاب يا نبيل
ولا تصاحب غمرا أو ذا رغبه
وأنه قد حاز كل مجد |
وقبل أن ننهي هذه النقطة نريد أن نصحح خطأ شائعا وهو أن من المشهور في المبايعة وخاصة في المريدية أن يقول المريد للشيخ الذي يبايعه: [أسلمت نفسي] هل هذا صحيح؟ لا! لم يصح ذلك في تاريخ المريدية لأدلة كثيرة منها:
1- أن لهذه الكلمة قدسية تامة؛ ولهذا توجه إلى الله فقط لا إلى شخص آخر مهما بلغت درجته ومرتبته حتى الرسول الذي هو سيد بني آدم. يقول تعالى: "وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" " وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" ويثني عز وجل على نبيه إبراهيم عليه السلام بأنه أسلم إليه نفسه " وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ". 2- محبة الشيخ للنبي صلى الله عليه وسلم لا يشك فيها أحد يعرف مثقال ذرة منه ، لكن هل خاطبه بهذه الكلمة؟ لا! بل خاطب بها الله سبحانه فقط. انظر إلى قوله:
أسلمت كلي لرب لا شريك له
أسلمت كلي لرب لا شبيه له
أسلمت كلي لرب لا نظير له
أسلمت كلي لرب لا معين له
أسلمت كلي لرب لا ابتداء له
أسلمت كلي لرب جل عن ولد
أسلمت كلي لرب جل عن غرض
أسلمت كلي لرب جل عن مثل
أسلمت كلي لرب العالمين بمن
أسلمت كلي للباقي بأحمدنا
أسلمت كلي لباق لي يقود منى
أسلمت كلي لرب جاد لي بهدى
صلى عليه مع المستمسكين به |
| في ملكه وكفاني الفقر والسقما
مع الذي في فؤادي حبه انكتما
مع الذي نهجه من آفة سلما
مع الذي دينه الإسلام منذ سما
مع الذي صار لي منجى ومعتصما
مع الذي مدحه يوليني العصما
مع الذي كونه لي قاد لي نعما
مع الذي من جميع العيب قدعصما
باهى بخدمتي الأتباع والعظما
نور الذي حان أو يأتي كمن قدما
مع الذي قد محا ضري وقد صرما
مع الذي قاد لي الألبان واللحما
ربي صلاة بتسليم علا ونما |
ويقول أحد أبناء الشيخ محمد الفاضل امباكي خليفته الثاني [1945- 1968م] وهو يبايع الشيخ نفسه:
بعت بنوتي بالإراده
من بعد ما اشتريتموها مني |
| لكم لكي أحظى بخرق عاده
أهديتها لكم بغير من |
وبعد تصحيح هذا الخطأ الفادح نذهب مباشرة إلى النقطة الأخيرة التي تتناول مكانة العمل في المريدية وكونه مبدأ من مبادئها.
يقول عز وجل: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ".
ويقول صلى الله عليه وسلم.[لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه]. ونوضح هنا أن العمل في القاموس الخديمي هو فعل الطاعات والتزام الشعائر الدينية المعهودة؛ ولذلك نجده في كتابات الشيخ مقرونا بالعلم، يقول الشيخ:
ا جتهدوا يا قوم في الطا عا ت با لعلم و العمل في الخيرا ت
ولازموا تعلم ا لعلم معا تلا زم ا لعمل فيما شرعا
أما إذا كان العمل بمعنى العرق في سبيل كسب الحلال فنسميه في القاموس الخديمي بكسب الحلال بدل العمل، وهو يعتبر عنصرا هاما في المنهج الخديمي، فقد أولاه الشيخ عناية خاصة، فدعا أتباعه إلى العناية والاهتمام به. وكان يربيهم عليه كما ذكر صاحب "المنن": [كان أول ما يأخذهم به بعد تقرير واجبات الدين ومندوباته لهم مباشرة الأعمال البدنية].
وهكذا تربى الرعيل الأول على العمل بشقيه: التزام الطاعات والشعائر الدينية المعهودة، والعرق في سبيل كسب الحلال. وقد حث عليه الشيخ كثيرا من ذلك قوله-رضي الله عنه-:
واجتهدوا في طلب الحلال
التمسوا الحلال كل ساعه |
| فهو الذي يرضاه ذو الجلال
بأكله يبدو الهدى والطاعه |
ولم يكتف الشيخ بإيراد نصائح وتوجيهات للعناية بكسب الحلال، ولكنه رضي الله عنه كان يربي أتباعه عليه،فتر من تلاميذه: فلاحون- سقاءون- محتطبون- تجار.
وكان من نتيجة تمرين أتباعه على الأعمال البدنية أن يتمتعوا بالاستقلال الاقتصادي مبكرا فأصبح لفظ "المريد" رمزا للإنسان الكادح الباذل وسعه في كسب الحلال واستعمار الأرض. فاستطاع المريدون في عصره أن ينجزوا انجازات كبرى كبناء جامع [جربل] الكبير، كما واصلوا هذا المنهج بعده في خلافة أبنائه الخيرة، فأنجزوا بإشاراتهم مشاريع هائلة في [طوبى] وفي غيرها من المدن التي بناها كبار أتباعه؛ كـ [دار المعطي]، و [الطائف]؛ وذلك أن الشيخ أبان لهم خطورة الكسل والبطالة والدعة، ونصحهم، ورباهم على البعد عنها قائلا لهم:
أما البطالة وتضييع العمر
لا تهملوا الأعمار بالبطاله |
| بغير ما يغني فداؤه يضر
هذي إشارة بلا إطاله |
ولذلك نجد أن المريدين لعبوا دورا هاما في دفع عجلة سير البلاد اقتصاديا إلى الأمام، وهذه الشواهد تدل على ذلك:
1- أن المحللين الاقتصاديين أقروا بأن 70% من اقتصاد السنغال يصدر من المريدين.
2- مشروع بناء جامع طوبى الذي كلف وما زال يكلف ملايين cfa، وكان في مرحلة الأزمة الاقتصادية العالمية [1929-1930م].
3- تحول قرية طوبى إلى أكبر مدينة، وأنماها اقتصاديا وديموغرافيا في السنغال بعد العاصمة دكار.
4- حفر السكة الحديدية التي تربط بين طوبى وجربل بالأيدي العاملة.
5- أن السنغال يربح كثيرا من زراعة الفستق والحبوب، وأكثر منتوجاتها يصدر من المريدين[ خلكوم لسرين صالح امباكي].
6- أن الأفرقانيين الذين يعملون ليلا ونهارا لتحقيق حلم الولايات المتحدة الأفريقية يعتبرون النظام الاقتصادي المريدي مرجعا لتمية القارة اقتصاديا.
الخاتمة:
وفي خلال هذا البحث توصلت فيه إلى نتائج يمكن تدوينها في الأسطر التالية:
1- أن المريدية ليست طريقا بالمعنى الاصطلاحي الصوفي المتعارف عليه اليوم؛ ذلك أن العبد الخديم وجد التصوف أخذ طابعا تحزبيا بمسمياته المتعددة والمتباينة؛ من: قادرية، تيجانية، سنوسية، شاذلية، أحمدية...فارتد به إلى مرحلة ما قبل نشوء الطوائف،هكذا عبر عن المضمون الغائي لدعوته الجديدة الجامعة وهذا رأي أستاذ أحمد غلاي انجاي:
إذ المريد لا يريد أبدا |
| غير رضى الرحمان حيث قصدا |
2- أن المريدية حركة إسلامية صوفية تجديدية إصلاحية تهدف إلى خلق إنسان نموذجي.
3- أن الشيخ- رضي الله عنه-استقطاب ذاتي متعدد الأبعاد.
تنبيه:
وتجدر الإشارة إلى أني لم أراع في الأبيات الواردة في نص البحث وضعها في مكانها كما في كتب الشيخ حيث قدمت وأخرت أبياتا للسرد العلمي فحسب؛ وذلك خوفا من الإطناب وتبيانا بأن الشيخ كان مشتغلا بالعلم والتعليم في شتى مؤلفاته.
الملاحظات:
ننتظر بصدر رحب الملاحظات والاقتراحات والانتقادات البناءة التي قد يبديها القراء الجادون لأجل التوصل إلى الصواب.
بقلم/
مجاما انيانغ
خريج المعهد الإسلامي العالي بلوغا
الهاتف: 77-902-67-57
76-343-54-97
المراجع:
1- مسالك الجنان، للشيخ أحمد بمب.
2- قصيدة يا جملة، للشيخ أحمد بمب.
3- قصيدة: القلب مني، للشيخ أحمد بمب.
4- قصيدة: ولقد كرمنا، للشيخ أحمد بمب.
5- قصيدة: فاستبشروا، للشيخ أحمد بمب.
6- تزود الصغار، للشيخ أحمد بمب.
7- قصيدة: كن كاتما، للشيخ أحمد بمب.
8- منور الصدور، للشيخ أحمد بمب.
9- مجموعة مشتملة على أجوبة ووصايا الشيخ الخديم.
10- الجدل العقيم بين الأنا والآخر في قراءة التراث الخديمي، تأليف: أحمد غالاي انجاي.
11- لمحات في أصول المريدية، تأليف: شيخ تيورو بوسو
12- التربية الإسلامية وطرق تدريس العلوم الدينية والعربية، إعداد/جماعة من الأساتذة. مطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.