الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

خطاب في مناسبة ذكروية


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين المتفرد بالملك القوي المتين ثم الصلاة والسلام على الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين بالنور والحق المبين وعلى آله وصحابته الطبيين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
ثم بعد
باسم الوالد المحترم- أطال الله عمره ووفقه- نرفع إلى حضراتكم أسمى التحيات وأنماها وأحسنها تحية الإسلام وهي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة الأفاضل، الضيوف الكرام، ممثلي القادة الدينيين، يسرنا أن نرحب بكم في هذه المناسبة السارة التي تمثل ذكرى لأحدى كبريات الشخصيات المريديات ، السيدة زينب انجاي الجدة والدة الشيخ إبراهيم فال.
انتهازا لهذه الفرصة الثمينة في هذه المناسبة التي تجمعتم لها يكون من اللائق أن نهمس في أسماعكم باسم الشيخ الوالد على لساني هذه الكلمات الوجيزة التالية:
عباد الله إن أول ما يستحق التذكير بهذا المقام حق الله تعالى الكريم، الذي صار في هذا العصر نسيا منسيا. اعلموا أنه تعالى لم يخلق عباده إلا ليفردوه بالعبادة، ولم يرسل من رسول إلا برسالة التوحيد: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء25. وفي الحديث عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ{بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ}البخاري ومسلم.
آن أن يعلم كل أحد أنه لا أعظم من توحيده تعالى، فإنه جل في علاه لم يشركه أحد في ملكه لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ولا تكونوا –عباد الله- من الذين يلحدون في آياته، يقول الشيخ الخديم في هذا المعنى:
أول واجبٍ على المريدِ
 
تحصيلُ زاده من التوحيدِ
  
قبل اشتغالِه بالانفرادِ
 
بالذكر وحده وبالجهادِ[1]
  
ونجد الشيخ يبعد أكثر في بيان منزلة هذا الفن، ويقرر أنه لا ينفع علم بدون هذا العلم المتعلق بمعرفة حق الباري جلت عظمتُه، يقول:
وبعد فالعلوم أفضلُ التِّلادْ
 
وخير ما الله به عبدا أفادْ
  
لكنما التوحيدُ خير الذّخرِ
 
للشَّخص في القبر ويوم النَّشرِ
  
لأنه عن غيره يغني ولا
 
بدونه يفيد علم مسجلا[2]
  
افهموا فحوى تلك الكلمة التي ترددها ألسنة كثير منكم: كلمة (لا إله إلا الله) فإنه لا أبغض إليه تعالى من إبطال هذا الحق العظيم، الذي من أجله خلق العباد وبه مناط نجاحهم وصلاحهم، وما يصلح عمل إذا لم يتحقق هذا المعنى.
ولا يفوتنا أن نذكركم بضرورة التعاون والتحبب فيما بينكم، فإنهما وصية نبينا صلى الله عليه وسلم:{الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}البخاري. وها نرى الشيخ الخديم يدعو ربه كثيرا أن يرزق المسلمين هذه الخلال، قائلا:
واجعل قلوبَنا على تواددِ
 
بلا تنازعٍ ولا تحاسدِ[3]
  
  
ويقول:
تحاببوا في الله ذي الجلالِ
 
بلا تنازعٍ ولا إضلالِ
  
إنَّ التَّحاببَ هو الإيمانُ
 
لأهله السرور والأمانُ
  
أما التحاسد فللشقاوةْ
 
يقود أهله بلا حلاوةْ[4]
  
وأفضلُ الخصالِ حبٌّ في الجميلْ
 
وفي الرَّسولِ حبِّه نعم الخليلْ
  

ولا يخفى على من له أدنى علم بهذا الدين أن هاتين الخصلتين من سماته التي حث عليها؛ ولعلكم تتذكرون أن صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم قدموا المثل الأعلى في هذا الجانب، لما هاجروا إلى المدينة المنورة، فقاسم الأنصار المهاجرين أموالهم بل وأزواجهم، ولم يقفوا عند هذا الحد وإنما كان يؤثر بعضهم بعضا: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9.
واحذروا أيها الناس الوقوع فيما لم يتبين لكم صوابه، فإنكم تعيشون في زمن كثرت فيه الطوائف وأكثرها تدعو إلى السعي في خراب هذا الدين الذي من أجله كان المجاهد الأكبر الشيخ الخديم رضي الله عنه يتفانى في تجديده وترسيخه:
للمصطفى نويتُ ما يجددُ
 
سنته الغرَّا وإنِّي أحمدُ[5]
  
قد أصبحت الدعوات تأتي من كل حدب وصوب حاملة في طياتها كل ما من شأنه تدنيس صفاء هذا الدين عن طريق الطائفة المريدية.
ثم إني أذكركم بوجوب الاهتمام بالعلم، فإنه قوام ديننا الإسلامي، وهو أول ما يجب على المرء أن يشتغل به، يقول الشيخ الخديم في مصداق هذا القول:
العلم أفضل أخي من العمل
 
وأسه ففاز من له حصل[6]
  
وبقوله هذا يندفع قول كل من يزعم ويتوهم أن هناك شيئا أولى وأعلى من العلم، ولا شك أن هذا مخالف لما كان عليه ودعا إليه.
أليس هو القائل:
العلم والعمل جوهران
 
لخيري الدارين يجلبان
  
وأشرف الأصلين علم قدما
 
كما به أتى حديث من سما
  
إذ كل عامل بلا علم يرى
 
فسعيه مثل هباء نثرا[7]
  
ولم يكتف الشيخ رضي الله عنه بالإرشاد إلى التعلم، بل حذر من كل من يصد عنه، وبأية حجة، قال:
ومن نهاكم عن التعلم
 
فهو خليفة اللعين المجرم
  
في كل ما يفسده والله جل
 
حسيبه يوم الجزاء والوجل
  
إذ كل من في ذا الزمان منعا
 
من التعلم فإنه دعا
  
لبدعة شنيعة إذ العمل
 
إن لم يكن بالعلم شابه خلل[8]
  
والناظر في كتابه الشيخ يجده كثير الذكر للعلم ومنزلته، وأنه لا بديل له، بل يعتبر العمل بدونه غرورا، كما يقول:
فالعلم خير ما به ازدانَ الفتَى
 
لأنه يكرمه حيثُ أتَي
  
والعمل الصالحُ خيرُ زادِ
 
فالعلمُ دونه غرورٌ بادِ[9]
  

وختاما نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير إلى كل من له يد علينا في سبيل إنجاز هذا العمل، ونخص بالذكر منهم الصحافة بما فيها سائر المحطات الإذاعية ومواقع الإنترنت...                                                                                                                                                                        

 شيخ عبيد الله فال


[1] -تزود الشبان للشيخ الخديم رضي الله عنه.
[2] -مواهب القدوس.
[3] - مطلب الشفاء.
[4] - كتاب سلك الجواهر.
[5] - قصيدة ياجملة.
[6] - مسالك الجنان.
[7] - منظومة: تزود الشبان.
[8] - المصدر السابق.
[9] - كتاب سلك الجواهر.

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

بين طالب وشيخه


بسم الله الرحمن الرحيم
في مُناسبةِ الأُمسيةِ الشِّعريةِ خِلاَلَ الدَّورةِ الشَّرعيّةِ الَّتي تُقُامُ سَنَويًّا في امباكِي، ألْقَى الأستاذُ والشَّيخُ خَادِمْ انجايْ الرَّشيد قَصيدَةً يَذْكُرُ فيها مَثَالِبَ المَالِ وأضرارَهُ، وإِذْ أَتَى دَوري لإلقاءِ قصيدتي قُلتُ خَمسةً أَبْياتٍ ولُوفِيَّةٍ تَهْييجًا لِلشَّيخِ الشَّاعِرِ، فوعَدَ إِذْ تَنَاوَلَ الكَلِمَةَ في أَبْياتٍ رَائعةٍ بِرَدٍّ مُفْحِمٍ، وفعلاً في الغَدِ التَّالِي حَمَلَ إِلَيَّ قَصِيدَةً مِيمِيَّةً جَمِيلَةً، لَيْسَتْ معي الآنَ إِذْ ذَهَبَ بِها الشَّيخُ نِسيَاناً، وإن شاء الله سأَسْعَى في إِيصَالِها إِلَى أَيْدِي الإخوةِ الأَفاضِلِ. رَدَدْتُ قَائِلاً:
أَيَا شَــــــيخًا يَرَى في المَا
 
لِ رَأْيَ الخَابِــــطِ الوَهِمِ
  
أَمَا تَــــدْرِي بِأَنَّ المَـــــا
 
لَ يَا هــذَا دَوا السُّــقُمِ
  
فَـــــمَا يُحْــصَى لمِا لِلْمَا
 
لِ مِـــــنْ نَفْعٍ بِلاَ وَهَمِ
  
وَلَكِنْ لَيسَ يَرنو الشمـ
 
ـسَ ذُو رَمَــــدٍ مِنَ الأَلمِ
  
وَشَيخٌ مِـــثْلُكــــمْ أَنَّى
 
يُجَـــــادِلُ لِلْفَتَى الفَهِمِ
  
فـإِنَّا في زَمَــــــــانٍ لَيـ
 
ـسَ يَعْقِلُهُ أَخُو هَـــــرَمِ
  
وكَمْ مَــدَحَ النَّبِيُّ الْمُصْـ
 
ـطَــفَى مَالاً لِمُحْـــتَكِمِ
  
إِذا مَا قَدْ جَـــهِلْتَ الأَمْـ
 
ـرَ فَاسْـــأَلْنِي ولاَ تَــهِمِ
  
فَلا تُنْــــــــكِرْ مَـــزَايَاهُ
 
فَلَيْسَ النَّـــــيلُ كَالعَدَمِ
  
أَكُنْتَ تَخُطُّ لَوْلاَ الْـــــمَا
 
لِ-كَانَ-بِذَلِكَ القَـــلَمِ؟
  
ودَعْكَ عَنِ العُـــيُوبِ فَمَا
 
نَجَا حُــــرٌّ مِنَ التُّـــهَمِ
  
ولَكِــــنْ كُـــــلُّ قَوْلٍ دُو
 
نَ بُـــــــرْهَانٍ مِنَ الحُلُمِ
  
فَسِرْ في النَّاسِ وَاسْأَلْهُـــمْ
 
أَمِــثْــلُ الْمَالِ و(الدَّرَمِ)؟
  
تَـــــذَكَّـــــــرْ مَا لإِنْفَاقٍ
 
بلاَ حَــــسَــــدٍ لِمُغْتَنِمِ
  
فَــــــلَيـــسَ يَذُمُّ مَالاً قـَ
 
ـطُّ مَا قَـــدْ جَاءَ في القَلَمِ
  
ولاَ تَحْــــــسَبْ أَخَا خَرَقٍ
 
كَــوَاعٍ مُــــعْـرِبٍ العَـلَمِ
  
إِذَا مَا رُمْتَ تِــــبْـــــيَــاناً
 
أَلاَ خُــــــذْ أَحْسَنَ الحُكُمِ
  
فرد الشيخ قائلا: قولك:
أَمَا تَـــــدْرِي بِـــــــأَنَّ المَا
 
لَ يَا هَـــــــذَا دَوَا السٌّقمِ
  
الجواب:
وسُقــــــــمُ الجِسْمِ يُصْرِعُهُ
 
وَسُقْمُ القَــــــلْبِ لِلْحُمَمِ
  
فَأَعْــــــنِي النَّـــــارَ تُؤْلِمُهُ
 
فَيَصْـــــــرُخُ شَاكِي الضَّرَمِ
  
فَلَوْ خَـــــــــيرٌ يُرَى فِي المَا
 
لِ كَانَ النَّــــــدْبُ ذُو الكَرَمِ
  
رَسُولُ اللهِ يَمْـــــلِــــكُــهُ
 
(تَــــفَـاتُـنَ بَــــيِّــوُلْ دَرَمِ)
  
ثم بعث إليَّ بوريقة مكتوب عليها:
مُـــــطَاعَــــــنَةٌ ومَعْرَكَةٌ
 
بِــــحَـــــدِّ الطّرْسِ والقَلَمِ
  
جَــــــرَتْ بَيْنِي وبَيْنَكَ لاَ
 
تَـــــــــخَفْ مِنْ شِدَّةِ الوَرَمِ
  
فقلت:
نُــــــحَـــــكِّمُ حَاذِقًا لَبِبًا
 
عَــــــدُولاً لَـــــــيسَ يُتَّهَمِ