الأحد، 30 ربيع الأول، 1432هـ\ 06 آذار، 2011م
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته***وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
وقد كنت –كغيري- من الوافدين لمدينة لوغا طلبا للعلم،ولله الحمد زُودت بنصيب منه،لولا التقصير مني لكنت به ممن يشار له،قضيت طيلة ثلاثة أعوام في ديارها وما رأيت من أهلها إلا ما يسر الصديق،لكن بعد التخرج المحرج،حالت الظروف دون زيارتها حتى طال الأمد،فأخذ القلب يحن إلى لقياها،ويشهق لذكراها،فعندئذ عزمت على الشوق مني على زيارتها وتفقد أهلها الذين طالما ما أغدقوا عليَّ بما أعجز عن وصفه،ومن هنا جادت القريحة بهذه القصيدة التي أسميتها:
لَذعَة التَّشوق
أَيا صَاحِــبَـيْ رَحْـلِي اظْـعَـناَ وتَـهَــجَّـرا | ولا يَـثْــنِــــكُمْ هَــــــوْلُ المَـفَــاوِزِ[1] وَالـــكَـرَى |
وأُمَّا فَــــيَافِي[2] انْـــجَــامـُبرٍ مُـتَـرَجِّـلاً | ومُــمْـتَـطِـــياً لِـكُـــلِّ أَجْــــــردَ أَشْــــــقَــــــرَا |
يَـجُوبُ الفَـلا لا يَخْـتَـشِـي الضُّـر ضَامِراً | ولا العَيَّ مِــنْ وَصْـلِ التَّــهَــــجُّــرِ بالسُّـــرَى[3] |
أَمُــــونٍ و مِـــرقَالٍ يُــبَارِي عَلى الونـَـى | بِـــذُعْـــرٍ شُــعَــيْرَاتِ الطَّـلِــيـعَــةِ أَغْــبَـــرَا[4] |
تَـخَالُ السَّــيَّارَاتِ العَـــوادِي بِــسَـيْـرِهَا | مِـــنَ الهَـــونِ حِــربَــــاءً كَــبَا حِـــينَ أَدْبَــــرَا |
يُـشُـقُّ قَــــتَامَ العَاصِــــفَاتِ مُـخَــلِّـــفاً | رُبَـى{بَـــولٍ}لا يُـــلْـفِـتُ اللَّــمْـحَ مُـــذعَـــرَا[5] |
إذا عَـنَّ للرَّاعـــي وقـــدْ رَاعَ سِـــــرْبَـه | ثَـــنَا عَــنْـهُ طَـرْفاً نَــحْـوَ {انْـجَامبُـرَ} مُـدْبـِـرَا |
عَـلى عَــسَــفٍ تَــرْنُــوهُ يَـردَى مُعَاجِـلاً | خُــــطَـاهُ فَـــمَا يَـــرْخـــىَ إذا عَــنَّ للــقُـــرَى |
إذا مَـــرَّ مُـرتَـاعاً عَلى الحُــورِ باِلصُّـوَى | طَـــلاهُـــنَّ تُـــربًا بِـالــــبُـــروقِ مُـــبَــعْـثَـرا[6] |
فَـقُـلْـنِ أَوَمْـضُ البَـــرْقِ أمْ دَاهِــمٌِ وقَـــدْ | رَمــــيْــنَ الشِّـــراءَ خَـــــلْــفَـــهُــنَّ مُــغَـــبَّــرَا |
دَرِيــرًا كَمُــشْـتاَقٍ للُـــقْــــيَـا عِــــيَـالِه | وقَـدْ حَـالَ عَــهْـدٌ دُونَــهُـمْ كَـــانَ مُــجْــبَـرا[7] |
عَلَى مَـتْـنِـهِ مُــسْـتَـبْـطِيًا جُـثْــتُ رَاكِـبًا | إِلَى حَـيْــثَ كَان الــقَــلْــبِ قَــبْـلِـيَ مُـحْـضَــرَا |
إَلَـى أَنْ أَتَـى {لُـوغَا} وقَـدْ ظَلَّ يَرْتَـمِي | كــــمَا أَنَّــــه مِــنْ قَـبْـلُ لَــمْ يَــكُ قَــدْ جَــرَى |
فَـجِــئْــتُ دِيَـارًا لَـيْـسَ يَـقْــطُنُها سِوَى | سَــخَاءٍ وجُــودٍ كَـالسَّــــمَـاءِ عَــــــلى الـثَّـــرى |
أُنََــاسٌ إذَا حَــلَّ الحَــــريــمُ دِيَـــارَهُـم | تَـــرى الـبـِشْــرَ لَـمَّــاعًا عَــلى كُـلِّ مَــنْ تَـــرَى |
إذا لَـــمْ يُـنَبِِّـئْـكَ الَّـذي قَــدْ لَـقِــيــتَــهُ | إِخَــالُــك لا تَــدْرِي الَّــــذِي قَــــرَّ أَوْ عَـــــرَى |
فَلَــولا ذُرَى طُـوبَـى لَــقَـلْــتُ فَـإِنَّــكُــمْ | ذُرَى الـمَـــجْــــدِ فِــي هــذه البِــلادِ بِـــمَا أَرَى |
عَـهِـدْتُ بـِ{لُـوغَا} مَـعْهَدًا يَـهْـتَدِي بِهِ | أَخُـو الجَــهْـلِ مِــثْــلَ البَـــدرِ بِاللَّــيْــلِ نَــيِّـرا |
مَــنَـارٌ لِمُـسْـتَـهْـدٍ ومَـشْـرَعَــةُ الصَّـــدِي | بِِـهِ مَــــنْــهَــجُ الـمُــخْــتَــــارِ صَـــار مُــنَـــوَّرَا |
طَـبـِـيــبٌ لِـسُـقْـمِ الـمُـنْـكَـراتِ ومَهْرَبٌ | مِــنَ الفُـحْـشِ و الْـخَـنَا لِـكُـــلِّ مِـــنَ الْــــورَى |
رِيَـاضٌ لِــذِي رُشْــدٍ ومَـسْــجَـنُ فَـاجِــرٍ | إذا حَــلَّ فِــــيــهِ الخِـــبُّ كَـان مُــغَــــــيَّـــرَا |
فَـكَــمْ سادِرٍ فِـيهِ ارْتَـوَى العِـلمَ والهُـدَى | وقَــدْ كَان فِـــيـــهِ الجَــهْـــلُ دَاءً تَــعَـسَّـــرَا[8] |
أَتَــى وهْـوَ مِــنْ جَــهْـلٍ يَـجُـرُّ ذُيُــولَـه | وفِـي لَـمْـحَــةِ العَــيْـنَــيْـــنِ أَصْـبَـحَ مُــبْــصِــرَا |
فَـريــدٌ عَــقِــيــمٌ مِـثْـلُـه فِــي زَمَــانِــنَا | مَــعِــيـــنٌ بِــقَــــــفْــرٍ لِلصَّـــــديِّ تَــفَـــجَّــرَا |
فَـــمَا قَـامَ فِـي ذَا الدَّهْــرِ قِــرْنٌ مُـبَـارِيًا | عَـلى نــــــوكِــــه إلاَّ تَــراجَــعَ قَــهْــقَــــرََا[9] |
تَـعَاقَبَ جِــيلٌ بَـعْـدَ جِــيلٍ لِـيَـــرْتَــووا | وكُــــلٌّ تَـرَوَّى دونَـــمَا ابْــتَــاعَ واشْــــــتَــــرَى |
تَــرَى كُلَّ أَصْــنَـافِ الرِّجَــالِ تَـدَفَّـقَـتْ | عَـــلَـى بَــابـِـهِ يَــرْجُــونَ سُـــقْـــيًـــا مُـكَــرَّرَا |
رَحِـيـبٌ بِــهِ قَـاعَـاتُ عِــلْــمٍ ومَــلْـعَبٌ | لِــتَــرْويــضِ أَجْــسَــادٍ لِـتَــقْــوَى وتَــكْــــبُــرَا |
ومَكـتَـبـةُ التَّــثْـقِـيـفِ فِــيـهِ زَخِـــيــرَةٌ | بِـــهِ كُــنْــتُ أَرْنُـــو شِــبْـهَ قَــصْــرٍ ومِــنْــبَــرَا |
تَـرَى فِــيــهِ إِنْ قَــامَ الـمُــؤَذِّنُ دَاعِـــيًا | صُــفُــــوفًــا كــخَــطِّ الـمِــسْــطَــرَاتِ إذَا تَـرَى |
إذَا قَامَ فِي المِحْرَابِ مَـــنْ أَمَّــهُـمْ شَـدَى | بِآيٍ جَــمِــيـــلُ الصَّــوتِ تَــحْـلو إذَا قَِــرَا[10] |
فَلِلَّهِ دُرُّ الشَّـــيْـخِ عَــبَّـاسِ مَـــنْ بَـــنَى | صوَى الهَـدْيِ لِلسَّــارِينَ لَــنْ تَــتَـــخَـــدَّرَا[11] |
جَـــزَاهُ جَــزَاءَ المُــحْـسِــنِــيــنَ إِلَــهُـهُ | عَـــنِ الـنَّـــشْءِ والإِسْــلامِ قَــدْ كَـــان خَـــيِّــرَا |
أَيَا أَيُّـهَا الصَّـادِي ومَـنْ غَـالَـهُ الطًّـــوَى | فَـفِي نَـحْـيِ{لُـوغَا}تَــلْــقَ عَــذْبًا ومُــثْـمِـرَا[12] |
ودُلَّ الـوَرَى ولْـتَــعْـجَـلَــنَّ عَــلَــيْـهِــمَا | لِـيُـــنْــضُـوا المَــطَــايَـا يَــقْـصــدُوا المُـتَــفَــجّـِرَا |
نَـهَـلْـتُ وبَــعْـدَ النَّـهْـلِ صِـرْتُ مُـعَـلِّـلاً | أَتَــحْـسِـبُـنِي بَــعْــــدَ المَــذَاقِ لأَصْـــبِــــرَا[13] |
ومَا إِنْ أَرَانِـي بَـعْـدَهُ غَـيْـرَ مَــنْ صَــدِي | بـِـصَــحْــرَاءَ لا مَــاءٌ بِــهَـا كَـــــان مُـــصْـــدَرَا |
وإِذْ كَــانَ فِي رُعْـبٍ قَــنُـوطًـا مِـنَ الرَّجَا | تَــرَاءَى مَـعِـــيــنُ الـمَـــاءِ لَـيـــــسَ مُـــكَـــدَّرَا |
فَـهـبَّ وقَـــدْ قَــدَّ الأُوَامُ كُــــشُـــوحَــهُ | لِــيُـطْفِي سَـعِـيــرًا كَــانَ فِـــيــهَـا مُـسَـعَّرَا[14] |
أَيـَا حَـاسِـدًا تَـسْـتَـاءُ مِـنْ قَــدَرِ العَــلِـي | فَـــلا سَـــــرَّكَ المَــقْــــدُورُ أَوْ تَـــتَــــغَــــيَّـــرَا |
أَيَــا ربِّ جَــبَّــارَ السَّـــمَــاءِ وأَرْضِــــنَا | فَـــأَخْـــزِ الَّـــــذِي أَمْــسَـى يَـحِـيـك مُــدَبِّـــرَا |
شيخ عُـبَـيْـد الله فَالْ\دار القُدوس_طوبى
[1] -المفاوز=جمع مفازة وهي الفلاة أي الغبة.
[2] -هي جمع فيفاء،وهي الفلاة.
[3] -ضامرا:هزيلا.التهجر:السير وقت الهجيرة،وهو وقت اشتداد الحرارة بالنهار.
[4] -أمون:مأمون،لا يخاف عليه الكبوة والعثرة.والمرقال:السريع.شعيرات:جمع شعيرة:تصغير شعر.الطليعة:الوجه.أغبر:ملتصق بالغبار.
[5] -قتام:غبار.العاصفات جمع عاصفة،وهي الريح الشديدة.والربى:جمع ربوة،وهي المكان المرتفع.
[6] -الصوى جمع صوة،وهي أعلام تنصب في جوانب الطريق ليهتدي بها المسافر.طلاهن:لطخهن.والبروق:جمع برق،والمراد بها:العيون لشبهها بها في اللمعان.
[7] -دريرا:سريعا.
[8] -السادر:الأنوك،وهو الجاهل الغبي.
[9] -النوك:الحماقة والبله.
[10] -شدى:غنى.
[11] -لن تتخدر:لن تخفى.
[12] -الصادي:من أصابه الصدى وهو:العطش.
[13] -النهل:الشربة الأولى،والعل:الشربة الثانية.
[14] -الأوام:العطش.والكشوح:جمع كشح،وهو:جلد البطن.